ماهية الرهن العقاري الأمريكي

تنشأ التأمينات العينية عن طريق تخصيص مال معين بالذات لضمان الوفاء بالالتزام، وهى تؤمن الدائن ضد تصرفات مدينه، إذ يظل المال المخصص للوفاء مثقلاً بالتأمين حتى ولو تصرف فيه المدين، وذلك بحكم كون هذه التأمينات حقوقًا عينية تتمتع بميزة التتبع. ثم إنها من ناحية أخرى، تجنب الدائن خطر إعسار المدين ومزاحمة سائر الدائنين له، إذ هى تهيئ له مزية التقدم عليهم. وقد كان للرهن العقاري دورًا مهمًا في إحداث الأزمة المالية العالمية، وحتي نتعرف علي هذا الدور لا بد من بيان ماهية الرهن العقاري بوجه عام، ثم معالجة خصوصية الرهن العقاري الأمريكي والأسواق التي تنظمه.

وعلي ذلك سنعالج ماهية الرهن العقاري من خلال بيان تعريفه، والخصائص التي يتميز بها هذا الرهن، فضلا عن خصوصية الرهن العقاري الأمريكي، وتطور أسواق الرهن العقاري الأمريكي، الخصائص التي تميز هذه الأسواق.

وذلك على النحو الآتي:

أولاً- تعريف الرهن العقاري:

الرهن العقاري هو عقد به يكسب الدائن على عقار مخصص لوفاء دينه حقًا عينيًا، يكون له بمقتضاه أن يتقدم على الدائنين العاديين والدائنين التاليين له فى المرتبة فى استيفاء حقه من ثمن العقار فى أي يد يكون.

وعلي ذلك فالرهن العقاري هو حق عينى تبعى ينشأ بمقتضى عقد رسمى على عقار، ويخول للدائن التقدم على الدائنين العاديين والدائنين الآتيين له فى المرتبة استيفاء حقه من ثمن ذلك العقار، أو بصفة عامة من المقابل النقدى للعقار المرهون، كالتعويض ومبلغ التأمين، فى أي يد يكون.

ثانيًا: خصائص الرهن العقاري:

يتميز حق الرهن العقاري بأنه حق عينى، تبعى، عقارى، لا يتجزأ وذلك على التفصيل التالى:

1- الرهن العقاري حق عيني:

الرهن العقاري حق عينى، لأنه يخول صاحبه سلطة مباشرة على الشيء موضوع الحق يستعملها دون وساطة أحد. على أن هذه السلطة، على خلاف الحقوق العينية الأصلية، لا تخول حقًا فى استعمال الشيء أو استغلاله، وإنما فقط فى اقتضاء الدائن المرتهن حقه من المقابل النقدى للشيء محل الحق بالأفضلية على غيره من الدائنين العاديين أو الدائنين المرتهنين اللاحقين له فى المرتبة، حيث يخول لصاحبه حق التقدم وحق التتبع.

2- الرهن العقاري حق تبعي:

يعد الرهن العقاري حقا تبعيا، لأنه لا يقوم إلا تبعًا لحق أصلى لكي يضمن الوفاء به. ويترتب على ذلك أن الرهن يتبع الحق المضمون فى صحته وانقضائه ما لم ينص القانون على غير ذلك، فالرهن لا يوجد إلا بوجود الالتزام الأصلي فإذا انقضي الدين الأصلي بالوفاء أو بغيره انقضي معه الرهن، وإذا تقرر بطلانه بطل معه الرهن أيضا.

3- الرهن العقاري حق عقاري:

الرهن العقاري يرد على العقار دون المنقول، كما أن حيازة العقار تظل للمدين الراهن، مما ييسر له سبل الإفادة منه على أوسع نطاق، فيكون له أن ينتفع بالعقار وما يخوله من ائتمان، كأن يرهنه لدائن آخر.

4 – الرهن العقاري حق غير قابل للتجزئة:

وأخيرًا يتميز الرهن العقاري بعدم قابليته للتجزئة: بمعنى أن كل جزء من العقار أو العقارات المرهونة ضامنة لكل الدين، وكل جزء من الدين مضمون بالعقار أو بالعقارات المرهونة كلها، ما لم ينص القانون أو يقضى الاتفاق بغير ذلك.ومع ذلك فإن قاعدة عدم تجزئة الرهن ليست من النظام العام، ولهذا يصح الاتفاق على عكسها، وللدائن المرتهن أن يتنازل عن التمسك بها، هذا فضلاً عما قد يقضى به القانون خلافًا لما تقضى به القاعدة.

ثالثا: خصوصية الرهن العقاري الأمريكي:

من المفيد في البداية أن نشير إلي أن العقارات في أمريكا هي أكبر مصدر للإقراض والاقتراض، فالحلم الأمريكي لكل مواطن هو أن يملك بيته، ولذلك فهو يشتري عقاره بالدين من البنك مقابل رهن هذا العقار.

ولا شك أن الرهون العقارية لعبت دورًا مهمًا وخطيرًا في الأزمة المالية العالمية.وإذا كنا قد عرضنا الرهن العقاري في صورته العادية البسيطة المعروفة لكل دارسي القانون، إلا أن الرهن العقاري الأمريكي له قدر من الخصوصية؛ وذلك لأنة يرتبط بفكرة التمويل العقاري، ولنوضح الصورة بشكل أدق من خلال بيان كيفية حدوث هذا الرهن.يتم التعاقد بعقد ثلاثى الأطراف بين مالك لعقار ومشترى وممول (بنك أو شركة تمويل عقارى) على أن يقوم المالك ببيع العقار للمشترى بمبلغ معين ويدفع المشترى جزءاً من الثمن، ويقوم الممول فى ذات العقد بدفع باقى الثمن للبائع مباشرة، واعتباره قرضا فى ذمة المشترى مقابل رهن العقار للممول ويسدد القرض على أقساط طويلة الأجل بفائدة تبدأ عادة بسيطة فى السنتين الأوليتين، ثم تتزايد بعد ذلك، ويسجل العقار باسم المشترى، ويصبح مالكه له حق التصرف فيه بالبيع أو الرهن.

وتجدر الإشارة إلي أن موضوع الرهن العقارى بالصورة السابق شرحها هو السبب الرئيس للأزمة، لأن البنوك أهملت فى التحقق من الجدارة الائتمانية للمقترضين .

وأغرتهم بفائدة بسيطة فى بادىء الأمر ثم تزايدت وتوسعت فى منح القروض مما خلق طلبًا متزايدًا على العقارات إلى أن تشبع السوق فانخفضت أسعار العقارات، وعجز المقترضون عن السداد. وحتي

نتعرف علي أثر خصوصية الرهن العقاري في حدوث الأزمة سنعرض لتطور أسواق الرهن العقاري الأمريكي، والخصائص التي تتحلي بها هذه الأسواق.

رابعا- تطور أسواق الرهن العقاري الأمريكي:

لا شك أن التعرض لتطور أسواق الرهن العقاري الأمريكي له عظيم الأثر في فهم ماهية الرهن العقاري من جهة، وعلاقته بالأزمة المالية من جهة أخري، وعلي ذلك، نعرض لتطور أسواق الرهن العقاري الأمريكي من خلال التفصيل الآتي:

1- الهيئة الوطنية الاتحادية للرهن العقاري (فاني- ماي):

كانت أسواق الرهن العقاري في الولايات المتحدة تتألف أساسًا من مؤسسات إيداع منظمة مثل البنوك ومؤسسات الادخار والقروض التي كانت تستخدم ودائعها في تمويل قروض شراء المنازل، وكانت هيئات الإقراض تقوم بتجميع القروض وتحتفظ بها ضمن محافظها.

وهي بذلك تتحمل المخاطر الائتمانية ومخاطر السوق المرتبطة بتقلبات أسعار الفائدة، ومخاطر السيولة المرتبطة بتمويل أصول طويلة .

وبهدف توفير السيولة المالية قامت الحكومة الأمريكية بإنشاء الهيئة الوطنية الاتحادية للرهن العقاري والمعروفة باسم فاني ماي في عام 1938. وكانت هذه الهيئة مؤسسة مملوكة للدولة، وتتمثل مهمتها في إنشاء أسواق ثانوية للقروض العقارية. وقامت هيئة فاني ماي بشراء القروض العقارية من منشيئيها وإعادة الحصيلة النقدية إلي تلك الهيئات المقرضة عن طريق شراء هذه القروض العقارية مباشرة والاحتفاظ بها بها في محفظتها المالية، وبذلك تكون  الهيئة استحوذت علي مخاطر الائتمان ومخاطر السيولة والسوق في وقت واحد.

وعلي الرغم من ذلك كانت هيئة فاني ماي في وضع أفضل مؤسسات الإيداع في التعامل مع مخاطر السيولة والسوق، لأنها كانت تستطيع الاقتراض لآجال أطول، وفضلاً عن ذلك.

كانت هذه الهيئة أقدر علي إدارة مخاطر الائتمان لأنها كانت تحتفظ بمحفظة رهونات عقارية متنوعة علي المستوى الوطني، وهو ما كان يصعب تحقيقه حتي علي أكبر البنوك بسبب القيود التنظيمية علي المعاملات المصرفية بين الولايات.ومن الملاحظ أن هذه الهيئة لا تشتري سوى القروض العقارية التي تتوافق مع المعايير المقننة، وتستخدم المقاييس الخاصة بالإقراض التي تتوافق مع القروض العقارية الممتازة.

وبهدف تسهيل تملك المنازل بالنسبة لذوى الدخل المتوسط، وفى نفس الوقت تشجيع وتنشيط سوق البناء والتشييد، تم تغيير الشكل القانونى لفانى ماى حيث انتقلت من القطاع العام إلى القطاع الخاص بهدف إعادة هيكلة رأسمالها وإدراجها فى البورصة.

2- الهيئة الوطنية الحكومية للرهن العقاري جيني ماي:

عندما أثبتت هيئة فاني ماي نجاحها وشكلت عمليات الاقتراض التي قامت بها لتمويل مشترياتها من القروض العقارية .

بحلول الستينات من القرن العشرين حصة مهمة من الدين العمومي للويالات المتحدة، حاولت الولايات المتحدة طرح أنشطة فاني ماي خارج نطاق ميزانية التشغيل الفدرالية من خلال إعادة تنظيم السوق العقارية الأمريكية.وقد نتج عن محالة إعادة تنظيم  هذه السوق إنشاء الهيئة الحكومية للرهن العقاري جيني ماي، وقامت هذه الهيئة بما يلي:

أ – ضخ القروض العقارية المضمونة من جانب الدولة في برامج الإسكان الاتحادية للمحاربيت القدامي، وغيرها من البرامج الاتحادية.

ب- خصصة ما تبقي من أنشطة مؤسسة مملوكة ملكية خاصة ومرخص لها علي المستوي الاتحادي سميت رسميًا باسم فاني ماي.

ج- تطوير سندات مالية مضمونة بقروض عقارية، وبذلك تكون الهيئة قد نقلت مخاطر السوق إلي المستثمرين.

3 – الشركة الوطنية الاتحادية للرهن العقاري فريدي ماك:

تم إنشاء الشركة الوطنية الاتحادية للرهن العقاري فريدي ماك في عام 1970 بهدف توريق الديون العقارية التقيليدية وتوفير منافسة لهيئة فاني ماي التي تم خصخصتها حديثًا، وقد تقاربت النماذج الاقتصادية التي تتبعها فاني ماي وفريدي ماك بمرور الوقت ووفرتا معًا تمويلاً هائلاً للقروض العقارية سواء عن طريق شراء القروض العقارية والاحتفاظ بها أم تحويل مبالغ كبيرة إلي سندات مضمونة بقروض عقارية.

خامسا- التغيرات التي طرأت علي أسواق الرهن العقاري:

شهدت أسواق الرهن العقاري تغيرات كبيرة في العديد من الاقتصادات المتقدمة، فحتى الثمانينيات، خضعت أسواق الرهن العقاري لدرجة عالية من التنظيم، وكان الائتمان العقاري يخضع لسيطرة جهات الإقراض المتخصصة التي واجهت قدرًا محدودًا من التنافس في الأسواق المجزأة.

وقد وضعت القواعد التنظيمية حدودًا قصوى لأسعار الفائدة وحدودًا للقروض العقارية وفترات السداد. وأسفرت هذه القواعد التنظيمية عن ترشيد استخدام الائتمان في أسواق الرهن العقاري وأدت إلى صعوبة حصول المستهلكين على القروض العقارية.

ومع تحرير أسواق الرهن العقاري الذي بدأ في أوائل الثمانينيات في العديد من الدول المتقدمة، ظهرت الضغوط التنافسية من جهات الإقراض غير التقليدية. وكانت النتيجة أن أصبحت الأسعار أكثر تفاعلا واتسع نطاق الخدمات المتاحة، مما أدى إلى زيادة فرص المستهلكين للحصول على القروض العقارية. غير أن عملية التحرير اتخذت أشكالا متعددة في الدول المختلفة.وفي الولايات المتحدة تزامنت عملية تحرير أسواق التمويل العقاري مع الإلغاء التدريجي للقيود على أسعار الفائدة في أوائل الثمانينيات. وفي الوقت ذاته ترتب على نشأة سوق ثانوية للرهن العقاري سهولة كبيرة في تمويل القروض العقارية عن طريق أسواق رأس المال. فأدى ذلك إلى تشجيع مجموعة كبيرة من البنوك والمؤسسات المالية الأخرى على دخول سوق الرهن العقاري.

وفي بريطانيا، كان رفع قيود الائتمان هو المدخل الأساسي للتحرير في العام 1980، مما كثف الضغوط التنافسية في سوق الرهن العقاري. وفي كندا وأستراليا ودول شمال أوروبا، كان تحرير أسواق التمويل العقاري يسير بخطى حثيثة نسبيًا واكتمل تقريبا بحلول أواسط الثمانينيات.

وفي كل هذه الدول كان إلغاء الحد الأقصى للإقراض ولأسعار الفائدة على الودائع وإلغاء القيود على الائتمان وراء فتح المجال أمام زيادة التنافس في قطاعات جديدة بسوق الائتمان.

ففي الولايات المتحدة وكندا وأستراليا ارتفعت نسب إجمالي قروض المستهلكين (الأفراد) من المؤسسات المالية غير المصرفية في العام 2007 إلى ما يزيد عن ضعف ما كانت عليه في الثمانينيات، واقترن هذا التحول باستحداث أدوات جديدة مرتبطة بالقروض العقارية وسياسات إقراض أكثر مسايرة للتطورات، وأسهمت كل هذه التغييرات في سرعة نمو الائتمان العقاري في هذه الدول.

وبعد تحرير أسواق الرهن العقاري، اتجهت جميع الاقتصادات المتقدمة إلى اعتماد نماذج أكثر تنافسية من التمويل العقاري تفسح المجال أمام المستهلكين للحصول على القروض المرتبطة بالمساكن بسهولة أكبر، بفضل زيادة تنوع مصادر التمويل.

سادسًا- خصائص أسواق الرهن العقاري:

من المهم في هذا المقام أن نشير إلي الخصائص التي تتحلي بها أسواق الرهن العقاري باعتبار أن هذه الأسواق لعبت دور مهما في إحداث الأزمة كما سنري لاحقا، ولكن ما يهمنا الآن هو أن نبين ما تتمتع به السوق العقارية من خصائص أساسية تتمثل فيما يلي:

1- العلاقة بين القرض العقاري وقيمة المسكن:

توجد علاقة وثيقة بين نسبة القرض العقاري وقيمة المسكن فارتفاع نسبة القرض إلى القيمة يفسح المجال أمام المقترضين لاقتراض المزيد بينما تسمح فترات السداد الأطول بالمحافظة على نسبة خدمة الدين إلى الدخل في حدود يمكن استيعابها.

2- استفادة المستهلكين من ثرواتهم العقارية:

هناك إمكانية تكرار الاقتراض بضمان قيمة المسكن والسداد المبكر للقرض بدون رسوم، ولا شك أن إمكانية الاقتراض بضمان القيمة المتراكمة للمساكن تسمح للمستهلكين بالاستفادة مباشرة .

اترك تعليقاً